الجريمة والعقاب|ملخص وتحليل الفصل الرابع, الجزء الأول

🕯️ في هذا الفصل هنالك العديد من الأحداث الشيقة والمواضيع النقدية المثيرة التي يمكن للقارئ استنتاجها أثناء عملية القراءة. فأما عن الأحداث، فهنالك ثلاثة أحداث رئيسية وهي:

• إنزعاج راسكولينيكوف من والدته وأخته بسبب عرض الزواج الذي تلقته أخته دنيا حديثاً.
•  ظواهر إجتماعية بشعة ظهرت في المجتمع الروسي في ذلك الوقت، ولعل أبرزها استغلال الأطفال جسديا.
• ذهاب راسكولينيكوف إلى صديق قديم له منذ أيام الجامعة.

ملخص الفصل 

راسكولينيكوف يشعر بالانزعاج من  والدته

المشهد الأول 

🕯️ يعيد راسكولينيكوف التفكير في رسالة والدته،ويصل في نهاية الأمر إلى ضرورة إيقاف حدوث هذا الزواج؛ لأنه شعر بالانزعاج من عدم مشاورة والدته وأخته دنيا له من البداية، كما أنه يعتقد أن وصف والدته للرجل الذي تقدم لخطبة ابنتها -بالرجل العملي والثري والمثقف- هو فقط محاولة إقناع له للقبول بالزواج.

🕯️ لا يستطيع راسكولينيكوف أن يريح عقله من التفكير بهذه الرسالة، فتراه تارةً يفكر بأن السيد لوجين قد يكون رجلاً طيباً؛ لأنه يريد أن يتكفل بنفقات شحن أمتعة والدة راسكولينيكوف وأخته إلى مدينة بطرسبورغ، وتارةً أخرى يعتقد أن هذا الرجل خبيث وينظر إلى العلاقات فقط كوسيلة لتحقيق المنفعة، ويبرهن راسكولينيكوف على ذلك بأن نفقة شحن الأمتعة أقل من نفقة نقل الركاب أنفسهم،لذا هو يعتقد أن هذا العمل في ظاهره خير وباطنه شر.

🕯️يحاول راسكولينيكوف التفكير بمنطقية أكثر، فيعتقد أن والدته وافقت على الزواج؛ لأنها تراهن على كرم السيد لوجين، فتظن أنه سوف يساعدها ولا سيما بأن معاشها لا يكفيها ودائماً ما تضطر لأن تقوم بأعمال الحياكة من أجل أن ترتقي بمستواها المعيشي قليلاً.

راسكولينيكوف يعبر عن انزعاجه من وقف أخته دنيا 

المشهد الثاني 

🕯️ بعد أن حاول تحليل موقف والدته، ينتقل راسكولينيكوف إلى تحليل موقف أخته دنيا. حيث أنه يحاول أن يصل إلى سببٍ مقنع يجعل من أخته دنيا تقبل هذا الزواج بسهولة ولا سيما أنه يعلم أن أخته مستعدة أن تأكل فتات الخبز على أن تقوم ببيع حريتها.

🕯️يعتقد راسكولينيكوف أن دنيا قد تعبت من العمل كمربية؛ لأنها تعرضت إلى كثير من الإهانات. والآن دنيا تريد أن تتزوج من هذا الرجل الأربعيني؛ من أجل مصلحتها وتحقيق الرخاء لها وتأثر ذلك على الحب.

🕯️ وأما عن التحليل الآخر، فأن راسكولينيكوف يعتقد أن أخته دنيا مستعدة للتضحية براحتها؛ من أجل أن ترتقي بالمستوى المعيشي لأخيها ووالدتها، وهو الأمر الذي يرفضه راسكولينيكوف؛ لأنه يؤمن بأن الرخاء الذي سوف تتمتع به دنيا سوف يكون قصيراً للغاية مقارنةً بالألم والندم الذي سوف تعيشه طيلة حياتها.

يعاتب راسكولينيكوف نفسه

🕯️ أرهق التفكير راسكولينيكوف كثيراً؛ حيث أنه لا يستطيع أن يصل إلى رؤية واضحة وحل أوضح لهذه المسألة، ويبدأ بإلقاء اللوم على نفسه؛ لأنه لا يستطيع أن يكون واثقاً من موقفه في منع هذا الزواج ولا سيما بأنه عاطل عن العمل، وعالة على نفسه وأسرته، ولا يستطيع القيام بأي شيء ينفعهما.

🕯️ يواصل راسكولينيكوف التفكير بهذه المسألة، ويعيد النظر في حياته وحياة أسرته، يفكر بحال والدته وأخته بعد سنوات طويلة في حال لم يتم هذا الزواج؛ فوالدته سوف يقضي عليها الجوع والحرمان، وأخته سوف تبقى تعمل في بيوت الأثرياء وتعيش حياة من الذل والفقر. وفجأة، يتذكر راسكولينيكوف ما قاله له مارميلادوف:" ما أصعب أن لا يجد الإنسان مكاناً يذهب إليه "، فبدأ بخلق مقارنة بين نقطتين وهما : إما أن يعيش طيلة حياته في ذل وفقر، أو أن يجد عملاً وحياةً جميلةً ومكانة اجتماعية مرموقة.

يشاهد راسكولينيكوف مشهداً يثير الحزن في نفسه

🕯️ في أثناء سير راسكولينيكوف في الشارع وإنغماسه بأفكاره، يشد انتباهه وجود فتاة في السادسة عشر من عمرها تقريباً، جميلة وفاتنة، لكنها ترتدي ثياب حريرية ممزقة وتظهر عليها علامات الكدمات وجسدها من الأسفل متعري، كما أنها كانت ثملة من فرط الشرب، فيعلم راسكولينيكوف أن هذه الفتاة تم استغلالها جسدياً، وأنها ككثير من الفتيات في عمرها، قد توجهوا إلى هذه المهنة( التي يمكنكم تخمينها).يشعر راسكولينيكوف بالشفقة عليها ويقترب منها ليتفقد حالها. وفي ذات الوقت يكون هنالك رجل ثلاثيني ينتظر أن يذهب راسكولينيكوف من المكان ليقوم بإستغلالها هو أيضاً! ويتبين أن هذا الرجل هو سفيدريجايلوف.

🕯️ يغضب راسكولينيكوف من ذلك، ويهاجم سفيدريجاليوف؛ليضربه. في هذه الأثناء يكون هنالك شرطي في المكان،ويعمل على فكهما عن بعضهما البعض.يخبر راسكولينيكوف الشرطي بنوايا الرجل، فيتظاهر الشرطي بأنه متعاطف مع الفتاة، لذلك يقوم راسكولينيكوف بإخراج بعض العملات المعدنية التي احتفظ بها في جيبه ويعطيها للشرطي، ويطلب منه أن يطلب سيارة أجرةذ؛ لتأخذ الفتاة إلى بيتها. لكن بعد أن يمشي راسكولينيكوف يتفاجئ بأن الشرطي قد تواطئ أيضاً مع سفيدريجاليوف, وسمح له بأن يلاحق الفتاة مقابل رشوة مالية. بعد هذا المشهد يسير راسكولينيكوف حزيناً على ما رآه من هول المشهد.

يقرر راسكولينيكوف الذهاب إلى صديق قديم له منذ أيام الجامعة

🕯️يتوجه راسكولينيكوف بعد ذلك إلى منزل صديق له قديم منذ أيام الجامعة، اسمه رازوميخين، وهو الصديق الوحيد الذي كانت تربطه علاقة قوية براسكولنيكوف أيام الجامعة.خصوصاً أن راسكولينيكوف كان لا يحب الاختلاط بزملائه من الطلاب، وأيضا لم يكن له قبول ومحبة عندهم. يقدم النص وصفاً تفصيلياً لشخصية رازوميخين يمكن إيجازها بأربعة جوانب :

• من الناحية الجوهرية: شخص طيب القلب قد يصل إلى حد السذاجة.
• من ناحية القدرات العقلية: شخص ذكي ويستطيع أن يدبر المكائد.
• من الناحية الجسمانية : نحيف ذو شعر أسود ولحية كثيفة قليلة الحلاقة.
• من الناحية المادية : شاب فقير يعيش ظروف مشابهة ،كتلك الظروف التي يعيشها راسكولينيكوف.

التحليل النقدي 

هنالك العديد من المواضيع التي يمكن للقارئ أن يلمسها خلال قرأته للفصل الرابع، ولعل أبرزها :

1. الرأسمالية.
2. التضحية.

أولاً: الرأسمالية تلقي بضلالها على مشاهد الفصل الرابع 

لاحظنا الإشارة إلى تأثير إنطلاقة الفكر الرأسمالي على المشهد الإجتماعي  الروسي في ذلك الوقت؛ من خلال الإشارة إلى نقطتين مهمتين من جوانب هذا النظام، وهما :

• السلعنة.
• الفردية والأنانية.

ما هي السلعنة وكيف كانت واضحة بشكل كبير في الفصل الرابع من الرواية ؟

💡 السلعنة: هي أن تتم معاملة الأشخاص كسلع يمكنهم من خلالها تحقيق العديد من المكاسب الدنيوية ، ولعل أبرزها المال. وتعد واحدة من أبرز الظواهر المجتمعية؛ التي تسبب بها النظام الرأسمالي، ويمكن ملاحظتها في النص من خلال :

• تأكيد راسكولينيكوف على استخدام الوصف الآتي : " تريد بيع نفسها " في الحديث عن شقيقته دنيا.
• الفتاة الصغيرة التي شاهدها راسكولينيكوف في الشارع في حالة تدمي القلب.

بالنسبة للنقطة الأولى، فقد لاحظنا أن راسكولينيكوف استخدم الوصف " بيع نفسها " في الحديث عن شقيقته كثيراً، عندما وافقت على لوجين. فكان الوصف متعمداً ودقيقاً وليس مصادفةً؛ وذلك لأن دنيا تريد تحقيق منافع دنيوية، مثل : أن تتمتع بحياة مرفهة، وأن تساعد والدتها وأخيها راسكولينيكوف من خلال التضحية بسعادتها بالزواج من رجل أربعيني يكبرها كثيراً، وأضف إلى ذلك أنه صعب المزاج ومتعجرف وسيء الطباع.

فبذلك عاملة دنيا نفسها كسلعة، ببيعها راحتها ومشاعرها وسعادتها طيلة العمر في سبيل تحقيق مكاسب مالية.

وأما عن النقطة الثانية، فقد لاحظنا كيف لفتاة في مقتبل العمر أن تقرر وتقبل التضحية بجسدها لمجموعة من السكارى، اللذين نهشوا ملابسها وجسدها وألقوا بها في الطريق؛ وذلك من أجل الحصول على حفنة من المال. فبهذا الأسلوب أتجهت الفتاة إلى السلعنة ببيعها جسدها.

الفردية والأنانية 

💡من أهم ركائز هذا النظام أن يسعى الفرد إلى إرضاء رغباته ومطامعه حتى وإن كانت على حساب إلحاق أضرار بالآخرين، وتتجسد هذه الفكرة بشخصية والدة راسكولينيكوف كما وصفها هو في حواره مع نفسه، وأيضاً في شخصية سفيدريجاليوف .

قررت والدة راسكولينيكوف القبول بلوجين كزوج لابنتها على الرغم من أنها تعلم يقيناً أنه ليس الخيار الأمثل من حيث الطباع، وأنه سوف يكون سبباً لتعاسة ابنتها مستقبلاً. لكن رغبتها في العيش برفاهية وايضا في توفير حياة أفضل لابنها، جعلها راضية عن التضحية بابنتها في سبيل إرضاء الرغبات الفردية؛ فتجسدت الفردية هنا بشخصية الأم، التي انتزعت من قلبها مشاعر الأمومة في سبيل إرضاء النفس بالدرجة الأولى.

وتجسدت الفردية والأنانية بصورة بشعة بشخصية سفيدريجاليوف، الذي لم يحرك قلبه مشهد الفتاة الصغيرة وهي جالسة على مقعد ممزقة الملابس ووجهها مليء بالكدمات. وإنما كان ينظر إليها بعين الرغبة وينتظر اللحظة المناسبة ليأخذ من جسدها شيء هو الآخر!

فتجلت الأنانية بأبشع صورها هنا؛ فمن أجل تلبية رغبات نفسه انتزع من قلبه الرحمة. فكشخص ثري، سفيدريجاليوف ليس لديه رغبة أنانية فقط في تملك الممتلكات فقط، وإنما تملك البشر ومعاملتهم كأي شيء أخر يمكنه الحصول عليه بمال. حب التملك يطغى على شخصيته، ويعامل الجميع كأشياء يمكنه شراؤها والحصول عليها؛ فقد لاحظنا كيف دفع رشوة للشرطي؛ من أجل أن يحصل على الفتاة، ومن المؤكد أنه كان يراهن في داخليته أنه سوف يتمكن من شراء الفتاة بماله؛ ليلبي بها أبشع رغباته.

التضحية

💡 من المواضيع الواضحة في هذا الفصل، هو موضوع التضحية بجانبيه:الإيجابي والسلبي.

التضحية من جانب إيجابي 

التضحية الإيجابية كانت متمثلة بمشاعر الأخوة النابضة في تحليل راسكولينيكوف عن السبب الذي دفع أخته للقبول بالزواج من ذلك الرجل الثري.حيث أنه أعتقد أن أخته دنيا تريد أن تتزوجه ليس فقط من أجل تحسين حياتها وحدها، ولا سيما أنه يعلم أنه أخته قد تفضل أن تعيش على فتاتٍ من الخبز على ألا تضحي بسعادتها وكرامتها. لكن تحليله الآخر يقول : بأن لديها هدف نبيل، وهو هدف يحقق السعادة لمن حولها، وهم راسكولينيكوف ووالدته حتى لو كان ذلك على حساب سعادتها هي.

التضحية من جانب سلبي 

تجسد هذا الجانب - من منظور راسكولينيكوف - بوالدته هو؛ لأنها قررت أن تضحي بابنتها وهي تعلم أن زواجها لن يكون زواج مثمر خصوصاً عندما قالت:"لا مجال للحديث عن حب"، فأعطت الأولوية للمادة على حساب حياة ابنتها، وفي المقابل كانت تريد أن تحقق المجد لراسكولنيكوف من خلال هذا الزواج. فكانت تضحية سلبية؛ لأنها تريد أن تضحي بابنتها من أجل ابنها.

وأيضا هذا الجانب من التضحية برز في شخصية الشرطي، الذي خان مهنته وانسانيته؛ من أجل بضعٍ من النقود. فترك الفتاة تكابد محاولة الفرار من سفيدريجاليوف. فقد قام الشرطي بهذا المشهد بالتضحية بالفتاة وبأمانته المهنية من أجل مصلحته.

انتقل إلى ملخص الفصل الخامس من هنا

المراجع

• دوستويفسكي، فيودور.1866. "الجريمة والعقاب". دوستويفسكي أخوان